يصدق في جريحنا البطل الشهيد الحي نصر مصلح يوسف البدجي قول الشاعر
منك البطولة تستمدُّ سناءها
وعليك ترتكز الشوامخ والذرى
في مطلع الألفية الثالثة “٢٠٠٠م” وفي قرية سُلِّع بعزلة بدج في مديرية الجبين بمحافظة ريمة ولد فتى حمل في دمائه البطولة والإباء والتضحية والفداء .. فتى سيترجم هذه المفردات في قصة واقعية ليست من نسيج الخيال بل هي واقع عاشه ل ١٠٠ساعة اي اربعة أيام وأربع ساعات دون اكل أو شرب أو دواء أو رفيق في أرض قاحلة في إحدى جبهات هيلان عام ٢٠٢٠
قبل ان نخوض في تفاصيل هذه القصة والتي هي قصة نضال واستبسال للبطل الجريح نصر البدجي سأحدثكم قبل ذلك عن تفاصيلَ لسيرة البطل نصر الذي انضم إلى قوات الأمن الخاصة في نهاية العام ٢٠١٧وهو على عتبة الثامنة عشرة من العمر فتلقى تدريبات ومهارات قتالية نوعية لفترة تزيد عن ثمانية أشهر وعقب ذلك كلف بأن يكون أحد أبطال قوات الأمن الخاصة في نقطة الفلج بمحافظة مارب وهي القوات التي كان قائدها العميد الشهيد عبدالغني شعلان رحمه الله وهو القائد الذي نهل منه وتتلمذ تحت قيادته البطل نصر على معاني الشجاعة والإقدام في القتال
شارك نصر لمرات عدة وفي الصفوف الأمامية كمتطوع مساند لقوات الجيش والمقاومة في جبهات عدة في مارب.
وفي مرة من المرات طلب من قوات الأمن الخاصة مساندة رجال الجيش الوطني والمقاومة في جبهات القتال وترك الأمر للتطوع في الإسناد من قوات الأمن فكان نصر من أبطال الأمن الذين اختاروا بمحض إرادتهم دون تكليف إلزامي للمشاركة في الصفوف الأمامية في جبهة هيلان والتي كان من قادتها العميد الشهيد شعلان وهناك كان نصر مع قائده لخمسة أيام وفي النسق الأمامي يستبسل في هزيمة أنساق الزبابيل من ميليشيا الحوثي الذين أصيب منهم العشرات بين صرعى وجرحى والذين كانوا يستميتون من أجل إسقاط إحدى التباب وأخذ جثة قتيل حوثي يصفونه بأنه “قنديل” وأنه سيد وهم عبيد
وعندما اشتد أوار الحرب ألقى نصر قنبلة وأطلق بالمعدل طلقات عدة أصيب على إثرها من أصيب من زنابيل الميليشيا الحوثية الذين ألقو قنبلة على نصر فأصيب بشظايا في عينه وظهره ورجله وتم حصار التبة فجاءت أوامر بالانسحاب والالتفاف على الميليشيا الحوثية فلم يتبق سوى نصر وأحد زملائه الذي حاول أن يسعف نصر فقال له نصر لن تستطيع إسعافي وقد يأسرنا الحوثيون فاذهب واتركني وكانت فكرة ذكية من نصر الذي ظل في رأس التبة بمفرده وكان يرى طقم الجيش وهو يومأ “يأشر” ان تعالوا الى الطقم حتى لا يكون هناك أسير من رجال الجيش فما كان من نصر الجريح إلا أن قفز من رأس التبة مسافة تزيد عن ٢٠مترا وكان ذلك في الثانية بعد منتصف الليل فجر السبت في منتصف العام ٢٠٢٠ فوقع نصر أرضا وأغمي عليه حتى الثامنة صباحا وفي ذلك الوقت افاق نصر ورأى أن الحوثيين فوق التبة فزحف إلى إحدى التباب واختفى كي لا يراه الحوثيون وهناك راى نصر نفسه وحيدا مصابا لا يستطيع الحركة فقرر الزحف والاختباء في التبة الصغيرة حتى يأتي الليل ومن ثم يشاهد من أين المكان الذي تقصف فيه قوات الجيش فيزحف إليه وهناك بدأت اولى ليالي الزحف بين عشرات التباب فظل كذلك الى صبيحة الأحد فأغمي عليه إلى عصر الأحد ومن ثم استفاق فاستمر يزحف إلى صبيحة الاثنين وكان كلما جاع او عطش أغمي عليه وفي مرة من المرات استفاق وشرب بوله فكان في النهار يغمى عليه وفي الليل يزحف وفي ليل الاثنين وبعد الواحدة ليلا أغمي عليه ورأى حلما يبشر بقرب الانفراجة رأى أخاه الشهيد البطل عبدالله مصلح البدجي يتدلى من بين أشجار خضراء ويرتدي بزة بيضاء وجهه يشبه القمر يخاطبه يا نصر انا اخوك عبدالله أثبت والله اننا على الحق ولا تخف ستعود إلى أبي وأمي وواصل ما انت عليه من الزحف حتى تجد شجرة خضراء وسيأتي زملاؤك وسيسعفونك وقبيل فجر الثلاثاء استفاق نصر واستبشر خيرا فواصل الزحف وصباح الثلاثاء رأى شجرة خضراء كبيرة قرر أن يزحف إليها وينام عندها ويتوقف فإما ان يكون الإغماء الأخير أو يأتي زملاؤه فيسعفونه كما قال له أخوه الشهيد عبدالله في الرؤيا المشار إليها سابقا وبعد منتصف فجر الاربعاء نام نصر نومة إلى السابعة صباحا فوجد صوتا يقول له قم يانصر فزملاؤك الآن يرونك وسيأتون إليك فأفاق نصر وجاء مجموعة شباب يسألون من انت وتبع من فقال نصر انا عبد من عبادالله لأنه لم يعرف بعد اهم من جنود الشرعية ام من ميليشيا الحوثي فخاطبه أحد الافراد وقال له لا تخف سنسعفك إلى المشفى ونردك سالما إلى أهلك حتى لو كنت حوثيا وهنالك أدرك نصر أنهم جنود من الشرعية من اللواء “13”التابع للمنطقة العسكرية الثالثة بالجيش الوطني
فأسعف نصر إلى هيئة مشفى مارب وأبلغ أهله الذين ابلغوا في اليوم التالي لفقدان نصر أنه أسير بيد الميليشيا فأتى والداه إلى المسشفى وجاء إلى المشفى العقيد الصبري الذي كان سابقا اركان حرب قوات الأمن الخاصة بمحافظة مارب والذي هو حاليا قائد قوات الأمن الخاصة بمارب
ظل نصر لأشهر يتداوى حتى عاد إلى سابق عهده من الصحة والنضال والاستبسال والرباط في متارس متعددة وفي أكثر من جبهة ونظير هذه التضحيات الأسطورية رقي نصر إلى رتبة ملازم ثانٍ في قوات الأمن الخاصة بمحافظة مارب
تحدثت مع نصر وقال لي انه يشارك وبفاعلية اكثر في العمل الأمني وفي جبهات القتال رغم ما حصل له وان ذلك لم يزده سوى إصرار على مواصلة درب النضال الوطني حتى هزيمة الميليشيا الحوثية وتحرير الجمهورية واستعادة الدولة
الخلاصة أربعة أيام وأربع ساعات لم ياكل ولم يشرب وهو مصاب في ظهره وعينه ورجله ويزحف بين التلال والصخور والجرح ينزف دما والعين لا تكاد تبصر.
وقال لي، انه كان إذا جاع او عطش اغمي عليه ويستفيق وهو لا يشعر بالجوع ولا العطش.
هذه كرامة يا نصر ،وهذه بطولة لم يذكر نظير لها في كتب السير والتاريخ
الحمد لله الان نصر بكامل قوته إلا من إصابة طفيفة اسفل الرجل وتزوج وله ولدان