
لا تقتصر أعمال ميليشيا الحوثي الإرهابية على استهداف الأفراد أو القضاء على المعارضين فحسب، بل تسير وفق أجندات ومخططات أعمق تهدف إلى تفكيك المراكز السلفية السنية المناوئة لفكرها الطائفي المتطرف. إنها حرب ممنهجة على الهوية العقائدية للمجتمع اليمني، بدأت شرارتها الأولى من صعدة وتتوسع اليوم لتطال محافظات أخرى، مهددة النسيج الاجتماعي والديني للبلاد.
دماج: نقطة الانطلاق لتطهير مذهبي
كانت البداية في صعدة، بمنطقة دماج، عام 2011، حيث اجتاحت الميليشيات الحوثية الإرهابية أول المراكز السلفية السنية. مثّل هذا الهجوم نقطة انطلاق لمخطط شامل يستهدف تصفية المراكز السنية وإعادة تشكيل البيئة العقائدية على النمط الاثني عشري. بذريعة “محاربة التكفيريين”، فرضت الجماعة حصارًا دمويًا استمر أشهرًا، قبل أن تفرض تهجيرًا قسريًا شمل المئات من طلاب العلم، والدعاة، وعائلاتهم. لم يكن الهدف عسكريًا بحتًا، بل دينيًا عقائديًا، يتمثل في تفكيك البنية السلفية وإحلال خطاب مذهبي موالٍ لإيران.
استنساخ نموذج القمع: من إب إلى ريمة
تكشف تقارير ميدانية متواترة عن تصاعد وتيرة الانتهاكات الطائفية التي تنفذها ميليشيا الحوثي بحق المراكز الدينية السلفية في عدد من المحافظات اليمنية. تعمل الجماعة على استنساخ ذات النموذج القمعي في محافظات أخرى:
إب: خنق الهوية السنية وتفريغ الساحة الدعوية: في محافظة إب، واصلت ميليشيا الحوثي استهداف الخطاب الديني السني من خلال إغلاق عشرات المدارس والمراكز الدعوية، وملاحقة الخطباء والدعاة المستقلين، وفرض خطب الجمعة الصادرة عن الجماعة بالقوة. كما شنت حملة اعتقالات متواصلة ضد رموز المراكز السلفية، بالتزامن مع حملات تحريض علنية ضد كل من يرفض إحياء ما تسميه الجماعة “المناسبات الدينية” ذات الصبغة الإيرانية.
وفي محافظة ذمار: فرضت التشييع بقوة القبضة الأمنية: وكانت محافظة ذمار من أولى المحافظات التي شهدت حملة مركزة ضد العلماء المحسوبين على التيار السلفي والسني، حيث جرى استبدال خطباء المساجد، وإغلاق الحلقات القرآنية، وفرض مناهج دينية طائفية على المدارس الحكومية والخاصة. تستخدم الميليشيا جهاز الأمن والمكتب التربوي كأداتين لفرض الأدلجة المذهبية، في إطار مساعٍ مستمرة لـإعادة تشكيل الوعي الديني للجيل الصاعد بما يتماشى مع فكر ولاية الفقيه.
صنعاء: حيث عملت على تأميم المساجد وتفريغ المنابر:
وفي العاصمة صنعاء، وتصاعدت حملات تأميم المساجد، حيث ألزمت الجماعة الخطباء بالالتزام بـ”الخطبة المركزية” التي تصدرها أسبوعيًا، ومنعت الخطب المستقلة التي لا تتماشى مع خطابها الطائفي. كما جرى تفكيك معظم مراكز تحفيظ القرآن السنية، واستبدال مناهجها بمقررات دينية تحتوي على مفردات الولاء للإمام والولي الفقيه. واعتقلت الميليشيا عشرات من الدعاة الوسطيين الذين رفضوا الانخراط في مشروعها العقائدي.
وفي محافظة ريمة: نسخة مصغرة من دماج واستهداف الشيخ حنتوس: أحدث الهجمات التي طالت المراكز السلفية جاءت من محافظة ريمة، حيث شنت الميليشيا حملة أمنية ضد منزل الشيخ صالح حنتوس، أحد أبرز مشايخ تحفيظ القرآن في المنطقة. الهجوم الذي استخدمت فيه أكثر من خمسين طقمًا عسكريًا، تخلله اقتحام المسجد ودار التحفيظ التابعة له، في سابقة خطيرة تعكس نقل سيناريو دماج إلى هذه المحافظة الريفية. الشيخ حنتوس، الذي لم يُعرف عنه أي نشاط سياسي، أصبح مستهدفًا فقط لأنه يمثل ثقلًا دينيًا سنيًا مستقلاً.
مشروع ممنهج لتشييع اليمن وتداعياته الخطيرة
كل هذه الاعتداءات ليست أعمالًا فردية، بل تأتي ضمن مشروع أيديولوجي متكامل تنفذه ميليشيا الحوثي بدعم وتخطيط إيراني. يهدف المشروع إلى تشييع المجتمع اليمني من الداخل، بدءًا من تصفية رموز الخطاب السني، مرورًا بإحلال المناهج العقائدية، وانتهاءً بزرع جيوب مذهبية موالية لإيران في المساجد والمدارس والشارع العام. إن صمت المجتمع الدولي عن هذه الانتهاكات لا يعني زوال آثارها، بل ينذر بموجات احتقان طائفي خطير، ستكون لها تداعيات عميقة على وحدة المجتمع واستقراره. هذا المسعى التدميري للهوية اليمنية الأصيلة يهدد بنسف النسيج الاجتماعي لسنوات قادمة.